كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي عن الشعبى قال: حدثني كاتب المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أن اكتب إلي شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال» رواه البخاري ومسلم وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته» وفي لفظ: «إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالذي يأكل ولا يشبع» رواه مسلم وعن أبي مسلم الخولاني رضي الله عنه قال: حدثنى الحبيب الأمين أما هو: فحبيب إلي وأما هو عندي: فأمين عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: «ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديثي عهد ببيعته فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلام نبايعك قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وتطيعوا الله وأسر كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه» رواه مسلم وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المسئلة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لابد منه» رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح وفى مسند الإمام أحمد عن زيد بن عقبة الفزاري قال: دخلت على الحجاج ابن يوسف الثقفي فقلت: أصلح الله الأمير ألا أحدثك حديثا سمعته من سمرة بن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بلى قال سمعته يقول: «المسائل كد يكد بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل رجل ذا سلطان أو يسأل في أمر لابد منه» وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يتقبل لى بواحدة وأتقبل له بالجنة قال: قلت: أنا قال: لا تسأل الناس شيئا فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناولنيه حتى ينزل هو فيتناوله» رواه الإمام أحمد وأهل السنن وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس: لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله: أوشك الله له بالغنى: إما بموت عاجل أو غنى عاجل» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وعن سهل بن الحنظلية قال: قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة ابن حصن والأقرع بن حابس فسألاه فأمر لهما بما سألاه وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا فأما الأقرع: فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق وأما عيينة: فأخذ كتابه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه فقال: يا محمد أراني حاملا إلى قومي كتابا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وعنده ما يغنيه: فإنما يستكثر من النار وفي لفظ: من جمر جهنم قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يغنيه وفي لفظ: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة قال: قدر ما يغديه وما يعشيه وفي لفظ: أن يكون له شبع يوم وليلة» رواه أبو داود والإمام أحمد وعن ابن الفراسي أن الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسأل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا وإن كنت سائلا لابد فسل الصالحين» رواه النسائي.
وعن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فآمر لك بها ثم قال: يا قبيضة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا رواه مسلم وعن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه فلما وضع رجله على أسكفة الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا» رواه النسائى وعن مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي «ثلاثة فيد الله: العليا ويد المعطي: التي تليها ويد السائل: السفلى فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك» رواه الإمام أحمد وأبو داود وعن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل مسألة وهو عنها غني كانت شينا في وجهه يوم القيامة» رواه الإمام أحمد وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث والذي نفس محمد بيده إن كنت لحالفا عليهن: لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا رفعه الله بها ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر رواه الإمام أحمد وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: سرحتني أمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فأتيته فقعدت قال: فاستقبلني فقال: من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن استكفى كفاه الله ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف فقلت: ناقتي هي خير من أوقية ولم أسأله رواه الإمام أحمد وأبو داود وعن خالد بن عدي الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه» رواه الإمام أحمد فهذا أحد المعنيين في قوله: إن من شرط الرضى: ترك الإلحاح في المسألة وهو أليق المعنيين وأولاهما لأنه قرنه بترك الخصومة مع الخلق فلا يخاصمهم في حقه ولا يطلب منهم حقوقه والمعنى الثاني أنه لا يلح في الدعاء ولا يبالغ فيه فإن ذلك يقدح في رضاه وهذا يصح في وجه دون وجه فيصح إذا كان الداعي يلح في الدعاء بأغراضه وحظوظه العاجلة وأما إذا ألح على الله في سؤاله بما فيه رضاه والقرب منه: فإن ذلك لا يقدح في مقام الرضى أصلا وفي الأثر: إن الله يحب الملحين في الدعاء وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم بدر للنبي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألححت على ربك كفاك بعض مناشدتك لربك فهذا الإلحاح عين العبودية وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضب عليه فإذا كان سؤاله يرضيه لم يكن الإلحاح فيه منافيا لرضاه» وحقيقة الرضى: موافقته سبحانه في رضاه بل الذي ينافي الرضى: أن يلح عليه متحكما عليه متخيرا عليه ما لم يعلم: هل يرضيه أم لا كمن يلح على ربه في ولاية شخص أو إغنائه أو قضاء حاجته فهذا ينافي الرضى لأنه ليس على يقين أن مرضاة الرب في ذلك.
فإن قيل: فقد يكون للعبد حاجة يباح له سؤاله إياها فيلح على ربه في طلبها حتى يفتح له من لذيذ مناجاته وسؤاله والذل بين يديه وتملقه والتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وتفريغ القلب له وعدم تعلقه في حاجته بغيره: ما لم يحصل له بدون الإلحاح فهل يكره له هذا الإلحاح وإن كان المطلوب حظا من حظوظه قيل: هاهنا ثلاثة أمور أحدها: أن يفنى بمطلوبه وحاجته عن مراده ورضاه ويجعل الرب تعالى وسيلة إلى مطلوبه بحيث يكون أهم إليه منه فهذا ينافي كمال الرضى به وعنه الثاني: أن يفتح على قلبه حال السؤال من معرفة الله ومحبته والذل له والخضوع والتملق: ما ينسيه حاجته ويكون ما فتح له من ذلك أحب إليه من حاجته بحيث يحب أن تدوم له تلك الحال وتكون آثر عنده من حاجته وفرحه بها أعظم من فرحه بحاجته لو عجلت له وفاته ذلك فهذا لا ينافي رضاه وقال بعض العارفين: إنه لتكون لي حاجة إلى الله فأسأله إياها فيفتح علي من مناجاته ومعرفته والتذلل له والتملق بين يديه: ما أحب معه أن يؤخر عني قضاءها وتدوم لي تلك الحال وفي أثر: إن العبد ليدعو ربه عز وجل فيقول الله عز وجل لملائكته: اقضوا حاجة عبدي وأخروها فإني أحب أن أسمع دعاءه ويدعوه آخر فيقول الله لملائكته اقضوا حاجته وعجلوها فإني أكره صوته وقد روى الترمذي وغيره عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج وروي أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء».
وروى أيضا من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله الملح وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع وفيه أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية وإن الدعاء لينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء».
وإذا كان هذا محبة الرب تعالى للدعاء فلا ينافي الإلحاح فيه الرضى.
الثالث: أن ينقطع طمعه من الخلق ويتعلق بربه في طلب حاجته وقد أفرده بالطلب ولا يلوي على ما وراء ذلك فهذا قد تنشأ له المصلحة من نفس الطلب وإفراد الرب بالقصد والفرق بينه وبين الذي قبله: أن ذلك قد فتح عليه بما هو أحب إليه من حاجته فهو لا يبالي بفواتها بعد ظفره بما فتح عليه وبالله التوفيق.
قال: الدرجة الثالثة: الرضى برضى الله فلا يرى العبد لنفسه سخطا ولا رضى فيبعثه على ترك التحكم وحسم الاختيار وإسقاط التمييز ولو أدخل النار إنما كانت هذه الدرجة أعلى مما قبلها من الدرجات عنده: لأنها درجة صاحب الجمع الفاني بربه عن نفسه وعما منها قد غيبه شاهد رضى الله بالأشياء في وقوعها على مقتضى مشيئته عن شاهد رضاه هو فيشهد الرضى لله ومنه حقيقة ويرى نفسه فانيا ذاهبا مفقودا فهو يستوحش من نفسه ومن صفاتها ومن رضاها ومن سخطها فهو عامل على التغيب عن وجوده وعما منه مترام إلى العدم المحض قد تلاشى وجوده ونفسه وصفاتها في وجود مولاه الملك الحق وصفاته وأفعاله كما يتلاشى ضوء السراج الضعيف في جرم الشمس فغاب برضى ربه عن رضاه هو وعن ربه في أقضيته وأقداره وغاب بصفات ربه عن صفاته وبأفعاله عن أفعاله فتلاشي وجوده وصفاته وأفعاله في جنب وجود ربه وصفاته بحيث صار كالعدم المحض وفي هذا المقام لا يرى لنفسه رضى ولا سخطا فيوجب له هذا الفناء: ترك التحكم على الله بأمر من الأمور وترك التخير عليه فتذهب مادة التحكم وتفنى وتنحسم مادة الاختيار وتتلاشى وعند ذلك يسقط تمييز العبد ويتلاشى هذا تقدير كلامه وبعد فههنا أمران: أحدهما: أن هذا حال يعرض لا مقام يطلب ويشمر إليه فإن هذه الحال متى عرضت له وارت عنه تمييزه ولا يمكن أن يدوم له ذلك بل يقصر زمنه ويطول ثم يرجع إلى تمييزه وعقله وصاحب هذه الحال مغلوب: إما سكران بحاله وإما فان عن وجوده والكمال وراء ذلك وهو أن يكون فانيا عن إرادته بإرادة ربه منه فيكون باقيا بوجود آخر غير وجوده الطبيعي وهو وجود مطهر كائن بالله ولله ومع الله وصاحب هذا في مقام: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش قد فني عن وجوده الطبيعي والنفسي وبقي بهذا الوجود العلوي القدسي فيعود عليه تمييزه وفرقانه ورضاه عن ربه تعالى ومقامات إيمانه وهذا أكمل وأعلى من فنائه عنها كالسكران فإن قلت: فهل يمكن وصوله إلى هذا المقام من غير درب الفناء وعبوره إليه على غير جسره.
قلت: اختلف في ذلك فطائفة ظنت أنه لا يصل إلى البقاء وإلى هذا الوجود المطهر إلا بعد عبوره على جسر الفناء فعدوه لازما من لوازم السير إلى الله وقالت طائفة: بل يمكن الوصول إلى البقاء على غير درب الفناء والفناء عندهم عارض من عوارض الطريق لا لازم وسببه: قوة الوارد وضعف المحل واستجلابه بتعاطي أسبابه.
والتحقيق: أنه لا يصل إلى هذا المقام إلا بعد عبوره على جسر الفناء عن مراده بمراد سيده فما دام لم يحصل له هذا الفناء فلا سبيل له إلى ذلك البقاء وأما فناؤه عن وجوده: فليس شرطا لذلك البقاء ولا هو من لوازمه وصاحب هذا المقام: هو في رضاه عن ربه بربه لا بنفسه كما هو في توكله وتفويضه وتسليمه وإخلاصه ومحبته وغير ذلك من أحواله بربه لا بنفسه فيرى ذلك كله من عين المنة والفضل مستعملا فيه قد أقيم فيه لا أنه قد قام هو به فهو واقف بين مشهد {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28] ومشهد {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] والله المستعان. اهـ.